RSS

شاهد القنواه الفضائيه بث مباشر

اشترك فى الموقع ليصلك كل جديد

ادخل ايميلك ليصلك كل جديد من اخبار وصور وغرائب هذا العالم المجنون

ادخل ايميلك ليصلك كل جديد :

Delivered by FeedBurner

ما المواضيع التى تفضلها فى الموقع ؟؟

جديد الموقع

ابحث فى الموقع و فى الويب عن ما تريده




هوية القذافي


2009-10-05
عندما يتكلم أي إنسان تظهر هويته. وإذا طال كلامه ازدادت مكونات هويته وضوحا. وإذا كان كلامه في مناسبة مهمة أو أمام محفل مهم، فتكون هويته أشد ظهورا ووضوحا. وعندما نتأمل خطاب الرئيس القذافي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم كلامه في أحاديث تليفزيونية مطولة تلت ذلك الخطاب، يمكننا بسهولة تلمس جوانب هوية القذافي. والشيء الملفت والمحزن في هذا أننا لم نر أثرا لانتمائه الإسلامي في هذا الكلام الطويل. الرجل له عاطفته وانتماؤه الإسلامي بلا شك، ولكن يبدو أن هذا الجانب خافت وضعيف تماما في هوية القذافي. هذا الضعف يشير إلى أن الخطاب الإسلامي لعلمائنا ودعاتنا ما زال بعيدا عن النخبة الحاكمة، وهذه المسألة تستحق التوقف عندها والانتباه لخطورتها ومحاولة تداركها.

في خطابه الطويل في الأمم المتحدة (والذي تم جدولته في اليوم الأول، ومباشرة بعد خطاب أوباما !)، تكلم القذافي كما لو كان رئيس دولة عظمى، إذ أخذ يفند المشاكل العالمية وإصلاح الأمم المتحدة، بينما دولته الصغيرة تئن تحت حكمه لأربعين عاما من الضعف والتراجع. الكلام بهذه الطريقة إنما يهدف للفت الأنظار وحيازة الإعجاب أكثر من رغبته حقيقة في حل المشكلات العالمية. وهذا التوجه لا يخفى بطبيعة الحال على معظم الناس ولذلك قوبل بكثير من التهكم والسخرية في وسائل الإعلام المختلفة. بل إن القذافي في مقابلة أجراها معه فريد زكريا (وفريد زكريا من الشخصيات المؤثرة في الإعلام الأمريكي. حامل لدرجة الدكتوراه، هذا الإعلامي الأمريكي البارز والمولود في مدينة مومباي الهندية هو مدير تحرير مجلة نيوزويك ومقدم برنامجه الأسبوعي الشهير GPS في شبكة السي إن إن وفيه استضاف القذافي)، في إجابته عن سؤال (ألا تخشى على علاقات ليبيا التي بدأت تتحسن مع الغرب أن تتأثر بخطابك في الأمم المتحدة وهجومك اللاذع فيه؟) ، رد القذافي بإجابة عجيبة فقال (لا .. علاقاتنا بالغرب قوية جدا، ولا تتأثر بخطابي، لقد كان خطابي كلام ، مجرد كلام للجمعية العامة، ولا علاقة له على الإطلاق بعلاقاتنا بالغرب).

وعندما سئل عن عبارته التي وصف فيها الرئيس أوباما قائلا (ابننا أوباما) قال القذافي (إن أوباما أصله أفريقي، وأنا أصلي أفريقي، وعندنا في أفريقيا يعتبر الأفريقي الكبير أب للأفريقي الصغير). وقد عبر القذافي عن إعجابه بأوباما بطرق أخرى تعكس الجوانب البارزة في هوية القذافي. ففي لقاء له مع مقدم البرامج الأمريكي الأشهر لاري كينج، أكد القذافى أنه يتمنى لو بقى أوباما رئيسا للولايات المتحدة للأبد، فسأله كينج (هل تتمنى ذلك حقا؟ وما موقفك من أوباما وسياسته؟) فأجاب القذافى (نعم إن أوباما لديه رؤية قادرة على إنقاذ أمريكا والعالم. إننى أصلى من أجل أوباما حتى يستطيع أن ينجح فى تطبيق رؤيته التى أدعمها بشكل كبير).

وفي القضايا الحساسة والشائكة كالقضية الفلسطينية لم يتردد العقيد معمر القذافي -رئيس الجمهورية الليبية العربية الاشتراكية الديمقراطية العظمى- أن يقول في معرض دفاعه عن حل الدولة الواحدة (إن الجيل القادم سيدرك أن من حق الإسرائيليين أن يمشوا في شوارع غزة والضفة الغربية أو أي دولة عربية، والحال نفسه للفلسطينيين). وأما عن مشهد تمزيق وإلقاء ميثاق الأمم المتحدة، فإن هذا المشهد المثير ناقض ما قاله القذافي عندما أعلن بعنترية (مجلس الأمن منذ قيامه عام 1945 وحتى الآن، لم يوفر لنا الأمن بل العقوبات والرعب، ويُستخدم ضدنا الآن، لذلك نحن لسنا ملزمين بإطاعة مجلس الأمن بتركيبته الحالية، ولا يستطيع أحد إجبارنا على البقاء فيه، اعتبارا من الآن). وطبعا لم يجبره أحد بالبقاء فيه، ولم يقم هو بالانسحاب منه بكل تأكيد.

ولقد شعر كثيرون ممن تابعوا تلك الكلمات واللقاءات بالخجل الشديد لحال حكامنا، خاصة وأنت ترى الغرب أوعى من أن تمرر عليه هذه الحركات الساذجة. في المقابلة التي أشرنا إليها مع فريد زكريا، قسم زكريا الحوار إلى عدة فقرات، وكان يعلق بتهكم على كل فقرة في الحوار قبل أن يقدم الفقرة التالية. وعند التعليق مثلا على مديح القذافي لأوباما قال (إن معمر القذافي ضمن محاولاته المستمرة لمغازلة الغرب والتقارب معه ومع أمريكا بالذات وجزء من تهيئة ابنيه القادمين لحكم ليبيا بعقلية أكثر تقاربا مع الغرب).

والشاهد أن هوية القذافي ظهرت بوضوح شديد خلال كلمته للأمم المتحدة وخلال لقاءاته التليفزيونية العديدة، وكلها خلت تقريبا من أي إشارة إلى الهوية الإسلامية. والسؤال هنا: ألا يتابع القذافي وغيره من حكام العرب والمسلمين، الخطاب الديني المنتشر بدرجة ما في وسائل الإعلام العربية والإسلامية؟. يغلب على الظن أنه يتابعه بنسبة ما، ولكن يبدو أن هذا الخطاب لم يلمس فيه ما يحركه بحيث يظهر هذا المكون المهم في الهوية في مثل تلك المحافل المهمة. وأعتقد أن السبب في هذا هو قصور الخطاب الديني في استيعابه للنخبة الحاكمة من الرؤساء والوزراء وخاصة المجتمع. استمع للخطاب الديني وحاول أن تتلبس شخصية أحد هؤلاء، ستجد أن الخطاب لا يعنيك غالبا، وأنه يستعديك أحيانا. وستجد أن خطابنا الديني حين يمس الحكام يأتي ممتلئا بـ (ينبغي ولا ينبغي) أكثر من شرح المفاهيم وأصول الإسلام، والترغيب في إرضاء الله وإسعاد المسلمين.

للقذافي وغيره مسئولية عن أفعاله وأقواله بطبيعة الحال، ولكن ما نعنيه هنا أن العلماء والدعاة لا يصح منهم أن يتعاملوا مع هذه الفئة المهمة المؤثرة بطريقة إقصائية، أو بأسلوب كله تعالي وانتقاص واتهامات. لأن هذا من شأنه أن يجعلهم يهجرون كل نصح وينفرون من كل دعوة، في الوقت الذي يجدون فيه إغراءات نفسية من الغرب وآلته الإعلامية الرهيبة.

د. محمد هشام راغب

0 comments:

Post a Comment